انوار منسي نائبة المديرالعام
عدد المساهمات : 5162 تاريخ التسجيل : 06/10/2008 العمر : 61 الموقع : بغداد
| موضوع: يسوع يتمجد الأربعاء ديسمبر 02, 2009 2:48 pm | |
| يسوع يتمجد
بقلم القس بولس حداد
مرض لعازر ويسوع لم يأتِ . مات لعازر، ويسوع لم يأتِ . طال الانتظار وأنتن لعازر، وأخيراً جاء يسوع . جاء من "دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (متى 18:28) . لاقته مرثا وجرى بينهما حوار. معظم الأحيان يكون حوارنا مع السيد المسيح إما لوماً وعتاباً ليس فيه كلام مُجدٍ يرتكز على مبادئ ، أو يتناول أهدافاً: أخي مات ، لو أتيت لما كان قد مات ، ولما كنا حزنّا . مع أن الرسالة كانت واضحة ، "هذا المرض... ليتمجد ابن الله به". لم نسمع أي كلام عن تمجيد ابن الله ولا أيَّ استفسار عن الكيفية . نشكر الله أن صدر يسوع رحب. عاتبته مرثا ، أما هو فلم يعاتب ، تشكّت لكن يسوع احتمل. هذه شخصيته ؛ وهذا شأنه معنا خصوصاً في ظروفنا القاسية . أين مريم؟ إنها في البيت مستاءة . أحياناً نستاء وكأن الحق ، كل الحق إلى جانبنا . نشكر الله أنه عندما تتعثـّر خطواتنا تأتي المبادرة من يسوع ويسوع يطلب مريم ليوضّح لها الصورة ويجلو الأمر. يونان اغتمّ غمّاً شديداً وطلب الموت لنفسه. ويسأله الله: "هل اغتظت بالصواب...؟ فقال اغتظت بالصواب حتى الموت". وكأن الرب يقول له: أي صواب هو هذا ، وبأي حق تغتاظ على يقطينة بنتِ ليلة لأنها يبست ، ولا تشفق على ربوات من الناس الهالكين؟ (يونان 4). الابن الأكبر غضب ( قصة الابن الضال ) ولم يرد أن يدخل . خرج الأب يطلب إليه أن يدخل ليفرح بعودة أخيه. فكان جوابه: "لما جاء ابنك هذا... ذبحت له العجل المسمّن" يصحّح الأب بالقول: هذا ليس ابني فقط لكنه أخوك ، الذي كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوُجد . وهذا يستوجب أن تستبدل غضبك بفرح . "كان ينبغي أن نفرح ونسرّ" بعودة أخيك (راجع لوقا 15). جاءت مرثا إلى مريم قائلة : "المعلّم قد حضر وهو يدعوكِ" (يوحنا 28:11) . المعلّم قد حضر وله معاملة خاصة معكِ. فشلانة ، تعبانة ، متألمة ، مشتتة الأفكار، "هو يدعوك". جاءت مريم متّشحة بالسواد ، شاحبة الوجه ، وباكية. أربعة أيام من الحزن والنوح والبكاء الشديد ، بالإضافة إلى أفكار كثيرة تدور حول أسباب تأخر المسيح. إن لعلاقتنا تأثيراً كبيراً في مجمل حياتنا ، في سعادتها وفي شقاوتها ، في حلوها وفي مرّها ، في انتصارها وفي انكسارها . لذلك نجد أن أكثر ما يتعبنا هو الأوضاع المعلّقة التي تنتظر تدخّل المسيح ووضع الأمور في مكانها . وهذا ما قالته مرثا : "لو كنت ههنا لم يمت أخي . لكني الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه". نحن بانتظار أن تفعل شيئاً أو تقول شيئاً . الأوضاع معلّقة ومجهولة وغير نهائية. يمكن أن تقول مات لعازر وانتهى الأمر . كما بإمكانك أن تفعل شيئاً لا نعلم ما هو . الله يقصد من خلال الأوضاع المعلّقة والمجهولة وغير النهائية أن يقدّس حياتنا من خلال الصبر والانتظار . لقد تعلّم إبراهيم الصبر والانتظار، كذلك يعقوب ، ويوسف ، وأيوب ، وداود . حين وصلت مريم ، لم يخب ظن المسيح بأن تتصرف بطريقة عقلانية واعية فيها الكثير من العبادة. " فمريم لما أتت حيث كان يسوع ورأته خرّت عند رجليه ". خرّت عند قدمي رب الحياة الذي في يده نسمة كلّ حي . وهذا واقع يفرض نفسه عندما نتواجه مع المسيح ، "الحامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عبرانيين 3:1). ومع أنها ردّدت الكلام نفسه الذي قالته مرثا: "يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي"، لكن كلامها جاء بأسلوب لطيف وبلهجة رقيقة. كلام عابد لمعبود يدرك ضعفه ، ولكنه يرجو نعمة أعظم . كيف نفسّر هذا الخليط بين النعمة التي تعطي القوة ، وبين الضعف الذي يتحكّم فينا أحياناً ؟ فبينما نتمتّع أحياناً بإيمان ينقل الجبال ، ترانا في مواقف معيّنة نرزح تحت ضعفنا وشكوكنا . وجّه يسوع نوعاً من اللوم إلى بطرس في وقت من الأوقات موبّخاً عدم إيمانه : " يا قليل الإيمان لماذا شككت؟" (متى 31:14). كان هذا في ظرف معيّن ، مفاجئ وغير منتظَر، لم يعتدْ عليه بطرس . نمرّ في ظرف قاس يضرب الشخصية ويهزّ الكيان فترتجّ الصورة أمامنا . ووسط حزننا وحيرتنا نضيّع المسيح ، كما حصل لتلميذَي عمواس . فقدا الأمل والتعزية والرجاء ، فكانا يسيران عابسين . ويأتي يسوع ليلهب القلب من جديد ويحرق هشيم الهزيمة . والرب يلوم توما بالقول : "لا تكن غير مؤمن بل مؤمناً " (يوحنا 27:20). وأخاله ، ومن خلاله ، يقول لكل واحد منا : لماذا تتصرف وكأنك شخص غريب عن الإيمان ، تتذمّر، وتتشكّى ، وتستخدم أساليب العالم ، وتواجه الظروف كما يواجهها الآخرون ؟ تسلّحْ بسلاح الإيمان فتتصرّف تصرفات الإيمان . عطشت هاجر قديماً في البرية ، ومن شدة حزنها وألمها وحيرتها لم تجد ماء ، إلى أن " فتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء" (تكوين 19:21) . نظر غلام أليشع ، "وإذا جيش محيط بالمدينة وخيل ومركبات " (2ملوك 15:6) ، فخاف ولم يدرِ ماذا يجري حوله ، وماذا ينبغي أن يعمل . أما أليشع فقد رأى بعين الإيمان أن الجبل مملوء خيلاً ومركبات نار. وأدرك أن "الذين معنا أكثر من الذين معهم" (2ملوك 16:6) . كثيراً ما نرزح تحت همومنا وضيقنا وحزننا ووضعنا المزري ، فلا نعود نرى المسيح وبركات المسيح . لقد عبّرت مريم في عتابها عن ثلاثة أمور حسنة ومهمة. فهذا العتاب أولاً ، ينمّ عن عاطفة ممزوجة باللوم : لماذا لم تأتِ سريعاً وتمنع موت أخي ؟ وينمّ هذا العتاب ثانياً ، عن محبة وثقة : لو كنت ههنا لما حصل ما حصل . وثالثاً ، ينمّ هذا العتاب عن إيمان راسخ : أنا أومن بأنك لو كنت ههنا لشفيت أخي . وبعد أن عبّرت مريم عمّا في قلبها ، أخالها تتفرّس في وجه يسوع لتقرأ انطباعاته ، علّها تجد فيها أجوبة لتساؤلاتها . نحن غالباً ما نتكلّم ، ونتشكّى ، ونعاتب ، ونصلّي ، وقلّما ننتظر الانطباعات . تطلّعت إلى وجه يسوع لكي تقرأ ، وماذا قرأت ؟ رأت فيه وجهاً منزعجاً مضطرباً ، "انزعج بالروح واضطرب". رأت وجهاً منزعجاً مما عملته الخطية في الإنسان . ورأت وجهاً مضطرباً من وضع الأختين المحبوبتين في مرحلة المخاض هذه . ورأت وجهاً حزيناً على ضعف الإنسان أمام قوة الأعداء وخصوصاً الموت . ورأت ، ويا لروعة ما رأت ! رأت عينين مغرورقتين بالدموع ، ودمعتين كبيرتين منسابتين على الوجه الكئيب ، أدهشتا يوحنا فدوّن : "بكى يسوع". لم يبكِ يسوع عن عجز أو حيرة بل تعبيراً عفوياً عن محبة رقيقة ، وعن مشاركة في وضع مؤلم ومحزن ، فإنه "في كل ضيقهم تضايق" (إشعياء 9:63) . حين ينسانا الجميع ، أو يُساء فهمنا ، ولا أحد يدرك أحوالنا وأوضاعنا ، هنالك من يعرف أحوالنا ويرثي لنا. وحين تَقصر كل السواعد عن مساعدتنا ، ساعد الرب يمتدّ للدعم والمساعدة. وصل يسوع إلى القبر، وصل إلى التحدّي ، وطلب رفع الحجر، فإذا بمرثا تصرخ: "قد أنتن". وهل هذا يعني فقدان الأمل بعمل أيِّ شيء؟ وهل هذا يعني أن الأمر وصل إلى نقطة اللارجوع ؟ وكأن مرثا تحاول أن تذكّر يسوع بأمر يجهله ، وكأنها تقول للرب : أنا أعرف أن كل ما تطلب من الله يعطيك لكن عليّ أن أذكّرك بأنه أنتن . نحن نريد أن نُعلمك إلى أين وصل الوضع . فحالة لعازر تختلف عن حالة ابنة يايرس ، وعن حالة ابن أرملة نايين . تبارك إلهنا الذي لا يتدخّل إلا في الأمور الصعبة . والأمور الصعبة لا تقوى عليها إلا يد المسيح . كم من مرة نمسك بأمورنا وأوضاعنا وأحوالنا ونتعارك معها ، فتجرّحنا وتهشّمنا وتبقى الأوضاع على ما هي . لماذا لا نأتي إلى المسيح . لماذا لا نسلّم لمن يقول : "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متى 28:11) ؟ صلاة قصيرة ، وبصوت عالٍ ، يأمر المسيح لعازر بالخروج من القبر: " لعازر هلمّ خارجاً ". وتحصل المعجزة ، "فخرج الميت". صرخ يسوع بصوت عظيم فسمع الجميع صدى صوته وعرفوا كيف تكون الأوامر الإلهية وكيف تكون النتائج المباركة . بعد كل هذا المخاض وهذه الصعوبات ، تأتي الخاتمة السعيدة ، ولكنها تقتضي إيماناً وانتظاراً . تستوجب أشخاصاً يتوقّعون عاقبة على غرار عاقبة أيوب ويوسف وإبراهيم . خرج لعازر فانقلب المأتم إلى عرس ، وتحوّلت دموع الحزن إلى دموع الفرح ، وتوارت دموع الفراق خلف بهجة اللقاء الجميل وجمع الشمل . وكانت النتيجة أن آمن به كثيرون من اليهود ، وهكذا تحوّل المرض والموت إلى وسيلة يتمجّد بها الله . هل نرضى بضرب الاستقرار؟ هل نقبل بالآلام والأحزان والصعوبات ؟ هل نرضى بأن يتمجّد الله من خلالنا ؟ ليت الرب يساعدنا حتى نضع نفوسنا من جديد بين يديه ، ليس لنعرف ماذا يفعل ، بل لنتأكد أنه يعمل لخيرنا ولمجده ، فنتعلّم أن ننتظر الرب
| |
|
انوار منسي نائبة المديرالعام
عدد المساهمات : 5162 تاريخ التسجيل : 06/10/2008 العمر : 61 الموقع : بغداد
| موضوع: رد: يسوع يتمجد الأربعاء ديسمبر 02, 2009 2:55 pm | |
| | |
|